مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌوَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا " [الأحزاب: 12، 13] .
أما رسول الله(صلى الله عليه وسلم)فتقنع بثوبهحين أتاه غَدْر قريظة ، فاضطجع ومكث طويلاً حتى اشتد على الناس البلاء ، ثم نهضمبشراً يقول : " الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين بفتح اللهونصره"، ثمأخذ يخطط لمجابهة الظرف الراهن ، وكجزء من هذه الخطة كان يبعث الحرس إلى المدينة ،لئلا يؤتى الذراري والنساء على غرة ، ولكن كان لابد من إقدام حاسم ، يفضي إلى تخاذلالأحزاب ، وتحقيـقاً لهــذا الهـدف أراد أن يصالـح عُيينَة بن حصن والحارث بن عوفرئيسي غطفان على ثلث ثمار المدينة ، حتى ينصرفا بقومهما ، ويخلو المسلمون لإلحاقالهزيمة الساحقة العاجلة بقريش التي اختبروا مدى قوتها وبأسها مراراً ، وجرتالمراودة على ذلك ، فاستشار السعدين في ذلك ، فقالا : يا رسول الله ، إنكان اللهأمرك بهذا فسمعاً وطاعة ، وإن كان شيء تصنعه لنا فلا حاجة لنا فيه ، لقد كنا نحنوهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرةإلا قِرًي أو بيعاً ، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك نعطيهمأموالنا ؟ والله لا نعطيهم إلا السيف ، فَصَوَّبَ رأيهما وقال : " إنما هو شيء أصنعه لكم لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة ".
ثم إن الله عز وجل ـ وله الحمد ـ صنع أمراً من عنده خذل بهالعدو وهزم جموعهم ، وفَلَّ حدهم ، فكان مما هيأ من ذلك أن رجلاً من غطفان يقالله: نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي رضي الله عنه جاء رسول الله(صلى الله عليه وسلم)فقال : يارسول الله ، إني قد أسلمت ، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي ، فمرني ما شئت ، فقال رسولالله(صلى الله عليه وسلم): ( إنما أنت رجل واحد ، فَخذِّلْ عنا ما استطعت ، فإن الحرب خدعة) ، فذهب من فوره إلى بني قريظة ـ وكان عشيراً لهم في الجاهلية ـ فدخل عليهم وقال: قد عرفتم ودي إياكم ، وخاصة ما بيني وبينكم ، قالوا : صدقت . قال : فإنقريشاً ليسوا مثلكم ، البلد بلدكم ، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم ، لا تقدرون أنتتحولوا منه إلى غيره ، وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه ، وقدظاهرتموهم عليه ، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره ، فإن أصابوا فرصة انتهزوها ، وإلالحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمداً فانتقم منكم ، قالوا : فما العمل يا نعيم ؟ قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن . قالوا : لقد أشرت بالرأي .
ثم مضى نعيم على وجهه إلى قريش وقال لهم : تعلمون ودي لكمونصحي لكم ؟ قالوا : نعم، قال : إن اليهود قد ندموا على ما كان منهم من نقضعهد محمد وأصحابه ، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ، ثميوالونه عليكم ، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم ، ثم ذهب إلى غطفان ، فقال لهم مثلذلك .
فلما كانت ليلة السبت من شوال ـ سنة 5هـ ـ بعثوا إلى اليهود: أنا لسنا بأرض مقام ، وقد هلك الكُرَاع والخف ، فانهضوا بنا حتى نناجز محمداً ،فأرسل إليهم اليهود أن اليوم يوم السبت ، وقد علمتم ما أصاب من قبلنا حين أحدثوافيه ، ومع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن ، فلما جاءتهم رسلهم بذلكقالت قريش وغطفان : صدقكم والله نعيم ، فبعثوا إلى يهود إنا والله لا نرسل إليكمأحداً ، فاخرجوا معنا حتى نناجز محمداً ، فقالت قريظة : صدقكم والله نعيم .فتخاذل الفريقان ، ودبت الفرقة بين صفوفهم ، وخارت عزائمهم .
وكان المسلمون يدعون الله تعالى : ( اللهم استر عوراتناوآمن روعاتنا ) ، ودعا رسول الله(صلى الله عليه وسلم)على الأحزاب، فقال: " اللّهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، اهزم الأحزاب ، اللّهم اهزمهموزلزلهم ".
وقد سمع الله دعاء رسوله والمسلمين ، فبعد أن دبت الفرقة فيصفوف المشركين وسرى بينهم التخاذل أرسل الله عليهم جنداً من الريح فجعلت تقوضخيامهم ، ولا تدع لهم قِدْرًا إلا كفأتها ، ولا طُنُبًا إلا قلعته ، ولا يقر لهمقرار ، وأرسل جنداً من الملائكة يزلزلونهم ، ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف .
وأرسل رسول الله(صلى الله عليه وسلم)في تلكالليلة الباردة القارسة حذيفة بن اليمان يأتيه بخبرهم ، فوجدهم على هذه الحالة ،وقد تهيأوا للرحيل ، فرجع إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، فأخبرهبرحيل القوم ، فأصبح رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وقد رد اللهعدوه بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفاه الله قتالهم ، فصدق وعده ، وأعز جنده ، ونصرعبده ، وهزم الأحزاب وحده ، فرجع إلى المدينة .
وكانت غزوة الخندق سنة خمس من الهجرة في شوال على أصحالقولين ، وأقام المشركون محاصرين رسول الله(صلى الله عليه وسلم)والمسلمينشهراً أو نحو شهر . ويبدو بعد الجمع بين المصادر أن بداية فرض الحصار كانت فيشوال ونهايته في ذي القعدة ، وعند ابن سعد أن انصراف رسول الله(صلى الله عليه وسلم)من الخندقكان يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة .
إن معركة الأحزاب لم تكن معركة خسائر ، بل كانت معركة أعصاب، لم يجر فيها قتال مرير ، إلا أنها كانت من أحسم المعارك في تاريخ الإسلام ، تمخضتعن تخاذل المشركين ، وأفادت أن أية قوة من قوات العرب لا تستطيع استئصال القوةالصغيرة التي تنمو في المدينة ، لأن العرب لم تكن تستطيع أن تأتي بجمع أقوى مما أتتبه في الأحزاب ، ولذلك قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)حين أجلىالله الأحزاب : "الآن نغزوهم ، ولا يغزونا ، نحن نسير إليهم" .
__________________
منقول...................................................